القدس فى القلب

اسرار لاول مره تنشر .. الماسونيه والحرب العالميه الاولى

الحرب العالمية الأولى والصهيونية

بعد اندلاع الحرب العالمية في آب 1914 بفترة وجيزة، طلبت مجموعة من كبار الأثرياء من أحد المهندسين، أن يحول أحد القصور القديمة إلي ناد خاص.. وقد أصر هؤلاء الأثرياء على حفظ أسمائهم طيّ الكتمان، لأنّهم يريدون التعبير عن عميق امتنانهم وشكرهم، للضباط الذين يعرّضون حياتهم للخطر في سبيل الوطن.. وقد قام هذا النادي بتوفير كل وسائل الترفية والتسلية والمتعة.. كان استعمال النادي مقتصرا علي ضباط الخدمة، عندما يعودون من الجبهة لتمضية إجازاتهم في لندن.. أما الأعضاء الجدد، فكان يجري تقديمهم إلي النادي عن طريق أحد الأخوة الضباط، وتجري مقابلة بين الضيوف وأحد المسئولين.. فإذا اقتنع هذا بأنه يمكن الوثوق بهم، أخبرهم كيف يجري العمل في النادي.. لذلك كان علي الضابط المتقدم للدخول أن يعد بشرفة أن لا يذكر اسم أي شخص قابلة خلال مكوثه في النادي أو بعد خروجه.. ثم يُشرح لهذا الضيف كيف أنه سيقابل مجموعة من أشهر سيدات المجتمع في لندن وهن مقنّعات، فعليه أن لا يحاول معرفة شخصية أي منهن.. وإذا حدث بالمصادفة أن تعرّف علي إحداهن، فوعده يشمل المحافظة علي سرّهن.

وبعد انتهاء هذه الخطوات الأولية، يؤخذ الضابط إلي غرفته الخاصة التي فرشت علي أفخم طراز.. وكان يطلب من الضيف أن يعتبر بنفسه في منزله، ويعلم بأنه ستزوره سيدة ترتدي قلادة عنق كتب عليها رقم غرفته.. فإذا أحب بعد أن يتم التعرف عليها أن يصحبها إلي غرفة الطعام، فهذا يعود إليه وله كامل الحرية.

وحدث في شهر تشرين الثاني من عام 1916، أن وصلت رسالة إلي أحد الشخصيات السياسية الهامة، تطلب منه القدوم إلي النادي لتلقي معلومات علي غاية من الأهمية، فقدم بسيارته الخاصة وطلب من سائقه الانتظار، ثم دلف إلى الداخل، حيث اصطحبه المسئولون إلي مخدع وثير ثم تركوه منفردا.. ولم يلبث أن دلفت إلي المخدع امرأة شابة، ما أن شاهدته حتى كاد أن يغمي عليها، فقد كانت زوجته، وهي تصغره بسنوات عديدة، وتقوم بعملها كمضيفة للضباط في إجازاتهم منذ وقت ليس بالقصير!!.. ولقد كان الموقف حرجا بالفعل، فالزوجة لا تعلم شيئا من المخطط الذي جمعهما، وليس لديها أية معلومات سرية لتفشيها، وقد كانت مقتنعة أن المصادفة السيئة هي التي أدت للقائهما وجها لوجه.. وعرف الزوج عن دور المضيفة التي تقوم به في النادي، ولكن شفته لم تتحرك وكأنها ميتة، فهو عضو في الحكومة ولا يمكن أن يتحمل الفضيحة!

كان كل عضو في النادي ـ رجلا أو امرأة ـ جاسوسا علي الآخرين، ينقل أخبارهم إلي رؤسائه، فتتكون من الإخباريات معلومات، كانت تطبع وتسجّل فيما يسمي "الكتاب الأسود".. فيذكر في هذا الكتاب عيوب ونواقص الأفراد، ورذائلهم الخاصة ونقاط ضعفهم.. كما تذكر أوضاعهم المالية وأحوالهم العائلية، ومدي تعلقهم بأقربائهم وأصدقائهم.. كما تدون صلاتهم وتأثيراتهم علي كل من رجال السياسة المرموقين ورجال الصناعة ورجال الدين.

وفي تشرين الثاني من عام 1916، حاول أحد أعضاء البرلمان الإنكليزي أن يفضح أمر "النادي الزجاجي"، وأن يبين حقيقته، فقد شكا ثلاثة من الضباط بأن النادي يحاول ابتزاز المعلومات منهم بعد أن دخلوا في العضوية، وأن النادي هو مركز للجاسوسية ينقل المعلومات الهامة إلي العدو.. وقد اشترك أيضا في هذه المغامرة سيدة أسترالية وسائقها، والعديد من زوجات وبنات الرسميين في الحكومة.. ولكن هذه المحاولة لكشف حقيقة النادي آلت إلي الكتمان، فسياسة الحكومة كانت تميل إلي الاعتقاد بأن فضيحة بهذا الحجم قد تسبب كارثة وطنية، في وقت يواجه فيه الجيش ضربات بحرية وبرية وجوية قاسية.. عندئذ بدأت الصحافة (التحررية) تهاجم رئيس الوزراء، فاتهمته باستخدام غير الأكفاء في المناصب الحكومية، كما اتهم بأن له ارتباطات واسعة مع صناعيين وممولين ألمان في الفترة التي سبقت الحرب، وبأنه يميل إلي القيصر.. واتهم أيضا بأنه غير قادر علي اتخاذ التدابير الحازمة والقرارات المستعجلة.. واستعملت عبارة ”انتظر وستري اسكويت".

وقد أدّت فضائح تتعلق بارتباط بعض الرسميين ذوي المناصب العليا بالنادي الزجاجي، إلى استقالة الحكومة.. وبهذا تكون الإمبراطورية البريطانية قد اضطرت بالقوة إلي تغيير الفرسان السياسيين في منتصف الحرب الكبرى.. ولما استقال السيد اسكويت في كانون الأول 1916، تلته وزارة ائتلافية يرأسها دافيد لويد جورج.. أما وينستون تشر شل وبلفور فكانا من أبرز أعضائها.

وقد علمت من السجلات الرسمية أن الضباط الثلاثة الذين قدّموا الشكوى بخصوص النادي الزجاجيّ، قد "قتلوا أثناء العمليات في الحرب"، وهذا شيء معقول في أيام الحرب.. بعد ذلك علمت أنّ السيدة الأسترالية وسائقها قد ألقي القبض عليهما بحجة الدفاع عن المملكة.. ثم أعلن أن العضو المذكور في فضيحة البرلمان قد اعتزل الحياة العامة.. وبعد أسابيع قليلة نقلت من منصبي في المخابرات الملكية، وعيّنت كضابط بحريّ في سلاح الغواصات البريطاني.. ولقد خسرنا 33% من ضباطنا ورجالنا، وكنت أنا من الذين قدّر لهم أن يبقوا علي قيد الحياة.

***

هذا ولم اكتشف مدي الأهمية السياسة الصهيونية بالنسبة للذين يخططون السيطرة الكاملة علي اقتصاديات العالم، إلا بعد مدة طويلة من الحرب، وبعد أن بدأت بنفسي دراسة التاريخ المعاصر والأديان المقارنة.. والأحداث التالية تتكلم عن نفسها:

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، كان اسكويت رئيسا للوزراء، وكان معاديا للصهيونية.. فقرر الممولون الدوليون إزاحة حكومة اسكويت، وإحلال حكومة ائتلافية مكانها، علي أن يكون للويد جورج ووينستون تشرشل عمل كبير فيها.. وكان دافيد لويد جورج محاميا عن الحركة الصهيونية، التي خططت لها ومولتها عائلة روتشيلد.. أما وينستون تشرشل فكان مؤازرا للصهيونية السياسية منذ دخوله إلي المعترك السياسي.

***

في عام 1917 كان الممولون الدوليون يمدون في نفس الوقت الحركتين البلشفية والنازية.. وقد يبدو من غير المعقول أن يبقي المجلس النيابي البريطاني دون علم بما يجري حوله، خصوصا بعد أن وجدت الحكومة نفسها مضطرة للتدخل لإخلاء سبيل تروتسكي ورفاقة الثوريين، بعد أن ألقي القبض عليهم في هاليفكس، بينما كانوا في طريقهم من نيويورك إلي روسيا.

أما بالنسبة لسياسة بريطانيا عام 1916 تجاه روسيا، فان المبرر الوحيد لها، هو إن الحكومة البريطانية كانت تعلم أن المساعدة المالية والعسكرية لن تقدم من قبل أميركا، حتى تسقط الحكومة الروسية.. وقد يبدو هذا التحليل سخيفا ولكن الحقائق التالية تؤكده:

بدأت الثورة الروسية في شباط 1917 وعزل القيصر في الخامس من آذار نفس العام.. مباشرة بعد ذلك، رفع يعقوب شيف الشريك في مؤسسة كوهن ـ لوب في نيويورك، القيود المالية المفروضة علي الحلفاء، وأمر ابنه مورتيمر بإرسال برقية إلي السير ارنست كاسل تقول: "بسبب الأعمال الأخيرة التي تقوم في ألمانيا، والتطورات في روسيا، لن نستمر في حظر الأموال عن حكومات الحلفاء".

وفي الخامس من نيسان من نفس العام، أعلنت الحكومة البريطانية عن إرسال أرثر جيمس بلفور وزير خارجيتها إلي الولايات المتحدة، للاتصال بممثلي المصارف الأميركية، وإبلاغهم رسميا بأن الحكومة البريطانية ستتبنى مشاريعهم المتعلقة بالصهيونية، مقابل تعهدهم بإدخال أميركا إلي جانب الحلفاء.. وهكذا دخلت أميركا الحرب، وهبطت الكتائب الأمريكية الأولي في فرنسا في السابع من حزيران 1917.. وفي 18 تموز كتب اللورد روتشيلد إلي السيد بلفور ما يلي:

"عزيزي السيد بلفور.. أخيرا أصبح بإمكاني أن أرسل لك الصيغة التي طلبتها، فإذا تلقيت ردا إيجابيا من حكومة صاحب الجلالة ومنكم شخصيا، فسأقوم بإبلاغ ذلك إلي "الاتحاد الصهيوني" في اجتماع خاص، سوف يدعي إليه لهذا الغرض خصيصا".

وجاء في النسخة الأولية للنص ما يلي:

1. تقبل حكومة صاحب الجلالة بمبدأ وجوب إعادة تأسيس فلسطين كوطن قومي لليهود.

2. سوف تبذل حكومة صاحب الجلالة كل طاقتها لتأمين الوصول إلي هذا الهدف، وسوف نتناقش فيما يتعلق بالطرق والوسائل التي يتطلبها تحقيق هذا الهدف مع المنظمة الصهيونية.

وهكذا خضعت الحكومة البريطانية ـ ممثلة بالمستر بلفور ـ دون قيد أو شرط، للشروط التي وضعها اللورد روتشيلد وزملاؤه زعماء المنظمة الصهيونية.. ويتبين لنا ارتباط هذه الحكومة بهؤلاء، من قبولها لطلباتهم الأخرى، ولاسيما طلب تعيين اللورد ريدينغ Reading رئيسا للبعثة الاقتصادية البريطانية في الولايات المتحدة، في حين أن اللورد ريدينغ هذا ليس سوي السير روفوس إسحاق، الذي اقترن اسمه بفضيحة فاركوني الشهيرة.. وقد تبني إقناع الحكومة البريطانية بتعيينه لهذا المنصب الحساس، اللورد روتشيلد ذاته، وزملاؤه من الزعماء الصهيونيين السير هربرت صاموئيل (الذي أصبح فيما بعد، أول مندوب سام لبريطانيا في فلسطين)، والسير ألفرد موند (الذي منح أيضا لقب لورد فيما بعد).

وقد أجري اللورد ريدينغ محادثات مالية هامة مع الحكومة الأميركية، لم نتمكن من كشف سرها.. ولكن كان من نتائجها إعادة تنظيم بنك إنجلترا علي أسس جديدة بعد عام 1919، ونشوء بعض الارتباطات المالية الخفية.. وننقل فيما يلي فقرات من رسالة أرسلها (يعقوب شيف) إلي أحد الزعماء الصهيونيين المدعو (فريد مان) في شهر أيلول 1917: "إنني أعتقد الآن جازما، أنه أصبح أمرا ممكن التحقيق، مساعدة بريطانيا وأميركا وفرنسا لنا في كل الظروف، للبدء بهجرة مستمرة واسعة النطاق لشعبنا إلي فلسطين، ليستقر فيها.. وسيكون من الممكن فيما بعد الحصول علي ضمان من الدول الكبرى لاستقلال شعبنا.. وذلك حينما يبلغ عددنا في فلسطين مقدارا كافيا لتبرير مثل هذا الطلب".

***

وهناك رسالة أخري تحمل ما هو أخطر من ذلك.. ففي 26 أيلول 1917، كتب لويس مارشال الممثل لمؤسسة كوهن ـ لوب، إلي صديق صهيونيّ له يدعي ماكس سينيور: "لقد أخبرني الماجور ليونيل دي روتشيلد من التنظيم اليهودي البريطاني، أن وعد بلفور وقبول الدول الكبرى به، لهو عمل ديبلوماسي من أعلي الدرجات.. والصهيونية ما هي إلا عمل مؤقت من خطة بعيدة المدى، وما هي إلا مشجب مريح يعلق عليه السلاح الأقوى.. وسنبرهن للقوي المعادية أن احتجاجاتها ستذهب هباء، وستعرض أصحابها إلي ضغوط كريهة وصعبة".

وما الخطة بعيدة المدى المذكورة في هذه الرسالة، إلا إشارة إلى أن الممولين الدوليين ينوون السيطرة التامة علي اقتصاديات العالم، وعلي جميع المصادر الطبيعية والقوي البشرية في الكون بأسره.

***

في يوم 28 كانون الثاني 1915 دوّن رئيس الوزراء الإنكليزي المستر اسكويت، الفقرات التالية في سجّله اليومي: "تلقيت للتو من هربرت صاموئيل، مذكرة بعنوان "مستقبل فلسطين".. وهو يظن أننا نستطيع إسكان ثلاثة أو أربعة ملايين من اليهود الأوروبيين في ذلك البلد، وقد بدت لي فكرته هذه كنسخة جديدة من أقاصيص الحروب الصليبية.. وأعترف بنفوري من هذه المقترحات التي تضم مسؤوليات إضافية إلي مسؤولياتنا".

وتقدم لنا هذه العبارات، البرهان الكافي علي أن المستر اسكويت لم يكن ميالا إلي الصهيونية.. طبعا مصير اسكويت ووزارته تقررا منذ ذلك الحين.

***

كان الصهيونيون يسيطرون منذ أمد بعيد علي الصناعات الحربية في إنكلترا.. وعندما قررت المؤامرة محاربة نظام اسكويت المعادي للصهيونية، وجدت إنكلترا نفسها فجأة في وسط الحرب أمام أزمة شديدة في الصناعات الكيميائية، التي هي الأساس لصنع الذخائر الحربية والمتفجرات.. وامتدت الأزمة أيضا إلي مصانع المدافع، التي اضطرت لتقنين إنتاجها.. وألقي الشعب التبعة بالطبع علي عاتق الحكومة.

وكان المشرف علي الإنتاج الكيماوي في إنكلترا، السير فريدريك ناثان.. وقد عهد هذا إلي معامل برونر وموند بتلافي أزمة إنتاج المواد الكيماوية، ومنحها أرصدة حكومية ضخمة لهذا الغرض.. أما مالكا هذه المعامل ـ السيدان برونر وموند اليهوديان ـ فقد بنيا معملا كيماويا ضخما في سيلفر تاون.. وبالرغم من أنّه بني بأرصدة حكومية، إلا إنه حين بدأ إنتاجه، أخذت أجهزة الدعاية والصحافة التي يسيطر عليها المرابون الصهيونيون، تكبل آيات المديح جزافا لبرونر وموند، وتنسج هالات التمجيد المزيفة حولهما وحول الماليين اليهود، ناسبة لهم أنّهم يدعمون الإنتاج الحربي البريطاني، في وقت تحيط فيه الإخطار ببريطانيا.. وهكذا ظهر هؤلاء بمظهر المنفذين، وبقيت تبعة اللوم علي عاتق الحكومة.. بيد أن معمل سيلفرتاون لم يلبث أن انفجر فجأة، وقتل أكثر من أربعين شخصا في هذا الانفجار المدبر، وتهدم ثمانمائة منزل.. وكانت النتيجة أن الإنتاج الحربي الكيماوي ركد من جديد، وعادت الأزمة تهدد وزارة اسكويت.. وظل الأبطال المزيفون بمنجى من اللوم، يحيط بهم العطف والمديح.. ويجب أن نذكر أن السير الفرد موند المذكور، والذي كان يشرف علي العمل الكيماوي كمبعوث من قبل الملك، أصبح هو بعينه فيما بعد، رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين!!

***

هذا، وقد كانت إنكلترا ملتزمة بمساعدة حليفتها روسيا، وتزويدها بالبنادق والذخائر.. فكان من نتائج هذا التقصير في صناعة الأسلحة والمواد الكيماوية، أن لاقي الجيش الروسي ضربات قاسية في الجبهة الشرقية، لأن الأسلحة والذخائر لم تصله.. وأعلنت الصحف أن الجنود الروس كانوا يحاربون بالعصي وبقبضات أيديهم، حتى يذبحوا أمام الجنود الألمان.. وفي رسالة كتبها البروفسير برتارد بارز Bernard pares ووجهها إلي لويد جورج، كلمات تظهر بوضوح أن الأسلحة والذخائر منعت عن روسيا القيصرية قصدا، وذلك لخلق أجواء مناسبة للثورة... تقول رسالة بارز التي كتبت عام 1915 "صار لزاما علي أن أنقل رأيي الأكيد بأن فشل السادة فيكر ـ ما كسم وشركائهما Vickers – Maxim في تزويد روسيا بالسلاح، الذي كان يجب أن يصل البلاد قبل خمسة أشهر، يعرقل العلاقات بين البلدين، وخصوصا تعاونهما في الحرب الحالية.. وقد بلغني بالتأكيد أنه لم تصل إلي روسيا أي مساعدة من أي نوع من إنكلترا".

وكان لويد وزيرا للمالية ومسئولا عن تمويل الحرب.. أما السادة فيكر ـ ما كسيم وشركاؤهما، فكانوا تحت راية السير أرنست كاسيل وكيل أعمال مؤسسة كوهن ـ لوب في نيويورك، والذي كان بدوره مرتبطا بعائلة روتشيلد والممولين الدوليين في إنكلترا وفرنسا وألمانيا.

ولنبين أن السادة فيكر ـ ماكسيم وشركائهما كانوا تحت تأثير مؤسسة كوهن ـ لوب في ذلك الوقت، ننقل قول بوريز برازيل: "في 4 شباط 1916، عقد الحزب الثوري الروسي في أميركا، اجتماعا في نيويورك، حضره 62 موفدا.. وقد كشف النقاب عن آن تقارير سرية وصلت الحزب من روسيا، تفيد بأن الوقت أصبح مناسبا.. وتم التأكيد للمجتمعين بأن مساعدات مالية كافية ستقدم من قبل أشخاص يتعاطفون مع قضية تحرير الشعب الروسي.. وفي هذا الخصوص ذكر اسم يعقوب شيف مرارا عديدة.. ويعقوب شيف هذا كان في ذلك الوقت عضوا كبيرا في مؤسسة كوهن ـ لوب في نيويورك.. وعلي وجه التقريب فان خمسين عضوا من الاثنين والستين الذين حضروا اجتماع شباط 1916 كانوا قد اشتركوا فعلا في الثورة الروسية عام 1905.. ومرة أخري كان عليهم أن يحرّضوا علي العمل الثوريّ، ولكن يعقوب شيف كان قد خطط أن يغتصب لينين ثمار النصر".

وعندما ناقش المجلس البرلماني رسالة بارز المذكورة والموجهة إلي لويد جورج، تقول الأخبار إن لويد جورج دافع عن سياسة حكومته، بأن "الصدقة والإحسان يجب أن يبدأ في البلد، لأن قواتنا البريطانية تقاتل في فرنسا، ولا تملك سوي أربع رشاشات لكل كتيبة.. ويجب قبل أن تصدر الأسلحة إلي روسيا، أن نسلح جنودنا نحن".. ويقال إن اللورد كتشنر أجاب لويد جورج بقوله: "أنا أعتبر أكثر من أربع رشاشات لكل فصيلة تبذيرا، عندما أري فشلنا في تزويد السلاح ـ الذي وعدنا به روسيا ـ قد نتج عنه وجود بندقية واحدة فقط مع كل ستة جنود روس".

وقد استغل المتآمرون العالميون هذه العبارة التي نطق بها كتشنر، وأمروا عملاءهم ليستعملوها في تشويه سمعته.. فانتشر في العالم كله، أن كتشنر يعتبران أكثر من أربع شاشات للكتيبة الواحدة، عمل تبذيري لا يحتاج إليه الجنود البريطانيون في حربهم في فرنسا.. وقد استمر هذا التشويه حتى أيامنا هذه، وظهر في "سيرة دافيد لويد جورج"، الذي صدر حديثا، كما ظهر في نفس السيرة منقحة في المجلة الأسبوعية "تورنتو ستار".. وقد أرسلت إلي محرر الجريدة المذكورة، الحقيقة المتعلقة بهذا الحدث التاريخي الهام، فأجاب معتبرا التصحيح الذي أطلبه منه عملا ديناميكيا صعبا لا يمكنه معالجته، وأخبرني أنّه نقل رسالتي إلي "الدايلي ستار".. وليس ضروريا أن أقول إن "الحقيقة" لم تنشر أبدا.

***

تقول موسوعة المعرفة اليهودية عن الصهيونية: "لقد أجبرت الحرب العالمية علي نقل مركز المنظمة الصهيونية من برلين إلي نيويورك.. ونقلت السلطة بأجمعها إلي لجنة الطوارئ الاحتياطية للصهيونية، برئاسة القاضي الأمريكي ل.د. برانديس Brandies".

ويقول يعقوب دي هاس في كتابه "لويس ديمبتز برانديس": "أما المكتب الصهيوني للهجرة، فإنه تشعب وامتد ليشمل جميع القطاعات الحربية التي احتلها الحلفاء، وشملت تركيا وسوريا وفلسطين والأردن وبغداد.. وبالواقع فان أي قرش واحد من الملايين التي استلمها المكتب لم تذهب سدى.. وابتدأت باستعمال مكاتب الشؤون الخارجية للولايات المتحدة للاتصال وللإيداع، ثم نجحت مكاتب الهجرة نجاحا باهرا، وأصبح بالإمكان الاعتماد عليها.. حتى إن وزارة المالية الأميركية اعتمدت عليها واستخدمتها في إيصال الأموال والرسائل، التي لم تتمكن الحكومة من إيصالها بنجاح.. وقد قدمت السفارات في العواصم الأوروبية مبالغ نقدية، بناء على طلب أمين سر الهيئة التنفيذية للمنظمة الصهيونية في نيويورك".

ويقول فراي في كتابه "مياه تتدفق علي الشرق" في الصفحة 51:

"ومنذ ذلك الحين، أصبح تأثيرهم ملموسا أكثر وأثر في الدوائر السياسية في أميركا وأوروبا، وخصوصا مكتب الهجرة الصهيوني، الذي كان بإمكانه إرسال الأموال والمعلومات للعناصر التخريبية في أرض العدو".

وبعد ذلك، نجد محافل الشرق الأكبر تعود مرة أخري إلي الصورة، فنجد م. ارزبرغر يقول في الصفحات 145 ـ 146 من كتاب "تجاري في الحرب العالمية": "في السادس عشر من آذار 1916، دفع التحالف الإسرائيلي إلي محفل الشرق الأكبر في باريس 700.000 فرنك، كما يمكننا أن نبرهن من سجلات المحفل في روما، أن مليونا من الليرات الإيطالية قد حولت إلي هذا المحفل في 18 آذار 1916.. ولست من السذاجة بحيث أتخيل أن التحالف الإسرائيلي استعمل محفلين فقط بهدف إرسال مليون ليرة لمساعدة اليهود الإيطاليين".

يقول أ.ن. فيلد في كتابه "كل هذه الأشياء" ـ وهو يتحدث عن الحوادث التي تلت فصل الكويت عن العراق عام 1916 ـ في الصفحة 104: "لقد أصبح التأثير اليهودي في السياسة البريطانية واضحا، بعد ظهور السيد لويد جورج".

ويقول ل. فراي في الصفحة 55 من كتابه "مياه تتدفق علي الشرق": "عقد الاجتماع الرسميّ الأول للجنة السياسية الصهيونية، في السابع من شباط 1917، في منزل الدكتور موسى غاستر.. وقد نوقش في هذا الاجتماع بالتفصيل، البرنامج الصهيوني الذي سيستخدم كقاعدة في المفاوضات الرسمية، التي تشمل مصير فلسطين وأرمينيا ومنطقة ما بين النهرين (العراق) ومملكة الحجاز".

أما ج. م. ن. جيفريس، فيضيف أيضا هذه المعلومات في الصفحة 139 من الكتاب الذي كنا نستشهد به: "أبلغت تفاصيل هذا الاجتماع بالشفرة إلي التنظيم الصهيوني في الولايات المتحدة.. ومن الآن فصاعدا بدأ التنظيم الصهيوني في الولايات المتحدة يتدخل في صياغة السياسة البريطانية، وفي توجيه القضايا البريطانية الداخلية".

ولكي نصوّر بشكل ملموس مدي سيطرة الممولين الدوليين علي قضايا الحكومة البريطانية، ننقل كلام صموئيل لاندمان الذي يقول: "بعد أن تم الاتفاق بين السير مارك سايكس ووايزمان وسوكولوف، تقرر إرسال رسالة سرية إلي القاضي برانديس ـ رئيس لجنة الطوارئ الاحتياطية للصهيونية في نيويورك ـ تخبره فيها أن الحكومة البريطانية مستعدة لمساعدة اليهود في الحصول علي فلسطين، مقابل تعاطف يهودي فعال، ومقابل تأييد قضية الحلفاء في الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل يخلق تيارا قويا يدعم اشتراك الولايات المتحدة في الحرب.. وقد أرسلت الرسالة بالشفرة عبر مكتب الخارجية البريطانية، كما أرسلت رسالات سرية أخري إلي القادة الصهيونيين في روسيا عن طريق الجنرال ماكدونو.. وقد استطاع الدكتور وايزمان (أحد مؤسسي الصهيونية السياسية) أن يؤمّن عن طريق الحكومة الإعفاء من الخدمة لستة من الشبان الصهيونيين، وذلك كي يعملوا بنشاط من أجل القضية الصهيونية.. وكانت الخدمة العسكرية في ذلك الوقت إجبارية، ولم يعف منها إلا أولئك المشتغلين بإعمال وطنية هامة، تمنعهم من الخدمة الفعلية علي الجبهة.. وأنا أتذكر الدكتور وايزمان وهو يكتب رسالة إلي الجنرال ماكدونو (مدير العمليات العسكرية)، يطلب مساعدته في الحصول علي التسريح من الخدمة الفعلية لليون سيمون وهاري ساشر وسمون ماركس وهابا مسون وتولكوسكي وأنا شخصيا.. وكما طلب الدكتور وايزمان، فقد نقلت من المكتب الحربي إلي وزارة الإعلام ـ وفيما بعد إلي المكتب الصهيوني ـ حوالي شهر كانون الأول 1916.. ومنذ ذلك الوقت، ولسنوات عدة، اعتبرت الصهيونية حليفة الحكومة البريطانية.. ولم يعد هناك صعوبات في الحصول علي جوازات سفر، أو في الانتقال بالنسبة لأي شخص يدعمه مكتبنا.. وعلي سبيل المثال، فإن شهادة وقعتها بنفسي، وكان يحملها يهودي عثماني، قبلها المكتب الوطني البريطاني، وعامل صاحبها معاملة الأصدقاء، لا الأعداء كما كانت الحالة بالنسبة للرعايا الأتراك".

***

تبين دراسة حياة ديزرائيلي Disraeil أنه أمضي العديد من أمسيات أيام الآحاد عند آل روتشيلد في لندن.. وتبين أيضا أنه بينما كانت مؤسسة كوهن ـ لوب في نيويورك تمول الثورة اليهودية في روسيا، كان آل روتشيلد اللندنيين مديري أعمال القيصر في لندن.. ونعلم أيضا أن آل روتشيلد في لندن كانوا مع حزب الأحرار، وأنه بين عام 1840 ـ 1917 كانت صحافة الأحرار التي كان يديرها آل روتشيلد، معادية للروس. ويخبرنا ديزرائيلي أن القادة السياسيين والماليين في ألمانيا كانوا يعتبرون مناهضين، لأنهم لم يسمحوا للممولين الدوليين أن يفعلوا تماما كما يشاءون.. وكان يمثل آل روتشيلد في ألمانيا البارون فون بليشريدر في برلين، وعائلة واربرغ في هامبورغ.. وفي روسيا ساعد آل ويتشتاين في أوروبا آل غينزبرغ في سانت بطرسبرج علي رعاية مصالح روتشيلد في ذلك البلد.

وهناك رجل آخر عمل بنشاط كبير لمصلحة الممولين الدوليين، وهو اوتو كاهن Otto Kahn.. ولقد استطاع هذا أن يخفي حقيقة هدفه كثوري عالمي، خلف أعلام الوطنية في العديد من الدول التي عاش فيها، وتظاهر بأنه مواطن محب لوطنه في كل منها.. ولد السيد أوتر كاهن في ألمانيا، ثم هاجر إلي الولايات المتحدة كما فعل بول واربرغ.. وكهذا الأخير أيضا أصبح شريكا في مؤسسة كوهن ـ لوب.. وعند وصوله إلي أميركا مباشرة حصل علي وظيفة كاتب عند سبياير وشركائه، وذلك كي يجعل الأمور تبدو عادية وليست غريبة.. ثم تزوج فيما بعد حفيدة السيد وولف Wolf، أحد مؤسسي مؤسسة كوهن ـ لوب وشركاه.. ولما زارت السيدة كاهن موسكو عام 1931، استقبلت رسميا من قبل الحكومة السوفيتية، التي أقامت علي شرفها مأدبة ضخمة واستقبالات باهرة عديدة.. وقد اصطف الجيش الأحمر الستاليني علي الطرقات عندما مرت.

وفي الثاني من نيسان 1934، ظهرت مقالة في "الديلي هيرالد" كتبها السيد هانين سوافار وفيها يقول: "لقد عرفت أوتوا كاهن المليونير لسنوات عديدة.. لقد عرفته عندما كان وطنيا ألمانيا، كما عرفته عندما كان وطنيا أمريكيا.. وكان من الطبيعي عليه عندما أراد أن يدخل مجلس العموم البريطاني، أن ينتمي إلي الحزب الوطني".. وكان يمكن للسيد أوتوا كاهن، أن يصبح رئيسا علي اتحاد العالم المتكلم بالإنكليزية English Speaking Union، لولا أن نشاطه الثوري انكشف بطريق الصدفة، عندما تم البرهان علي أن منزله كان مكان اجتماع العملاء السوفيات، مثل نينا سمورودين وكلير شار يدان ولويس بريانت ومارغريت هارسون.

وفي صيف عام 1917، اجتمع في ستوكهولم في السويد ممثلون عن المصالح للصرفية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.. وقد حضر السيد بروتو بويوف وزير الداخلية الروسي، كما حضر السيد واربرغ من هامبورغ.. وكان هذا الأخير شقيق بول واربورغ الشريك في مؤسسة كوهن ـ لوب وشركائهما في نيويورك، والذي وضع مسودة التشريع لنظام الاحتياط الفيدرالي عام 1910.. وسيظهر لنا أنه حتى يتم القرار بتمويل لينين وتروتسكي للإطاحة بالحكومة السوفياتية، اجتمعت وفود من جميع الدول المحاربة، وأنه في النهاية سيصدر قرار يجعل مؤسسة كوهن ـ لوب في نيويورك تضع مبلغ 50 مليون دولار تحت تصرف لينين وتروتسكي في بنوك السويد.

وقد بعث ضباط المخابرات السرية في كل من بريطانيا وأميركا، بتقارير إلي حكوماتهم بشأن هذه الحقائق.. ومات الضابط أ. ن. كرومي Cromie وهو يقاوم الجماهير الثورية التي هاجمت القنصلية البريطانية في سانت بطرسبرغ، فقتل وهو يحاول إبعادهم، ريثما يتمكن المجتمعون به من إحراق الوثائق المتعلقة بهذا الأمر وبغيره من الأمور.

ثم نقلت الحكومة الأميركية إلي الحكومة البريطانية، التقارير التي وصلتها من ضباط المخابرات.. كما أن السيد اودندايك Oudendvke وزير الأراضي المنخفضة Netherlands في بتروغراد ـ الذي كان رجل المصالح البريطانية في روسيا بعد موت الكوماندر كرومي ـ حذر الحكومة البريطانية.. وقد نشر هذا التحذير في نيسان 1919، كجزء من ورقة بيضاء عن الثورة البلشفية، نشرتها كينغز برنتر Kings Printer.

أما خطة يعقوب شيف بشأن السماح لتروتسكي وعصابته في العودة من نيويورك إلي سانت بطرسبرغ، فقد فشلت عندما احتجزتم الرسميون في الحكومة الكندية في هالفاكس في مقاطعة وفاسكوشيا، وهم في طريقهم إلي روسيا.. وهنا تبدو سيطرة الممولين الدوليين، الذين احتجوا مباشرة إلي الحكومات المعينة، فأطلق سراح تروتسكي وجميع أفراد عصابته الثورية، وسمح لهم أن يمروا بأمان في القطاعات البريطانية الحصينة.

وهناك برهان آخر عن ارتباط السياسيين البريطانيين بثورة 1917 الروسية، حصل عليه الدكتور بتروفسكي Petrovesky، الذي يشرح الدور الذي لعبه السير بتشانان السفير البريطاني.. لقد برهن بتروفسكي أنه مع علم حكومة لويد جورج بما يجري خلف الستار، إلا إنها ساعدت تروتسكي والقادة الثوريين معه، في الوصول إلي روسيا.. بينما ساعدت القيادة العليا الألمانية الممولين الدوليين في إيصال لينين وعصابته الثورية من سويسرا إلي بتروغراد.. وقد خصّص للينين وأتباعه عربة قطار خاصة لنقلهم في رحلتهم عبر الأراضي الألمانية.

ويكشف السيد بتروفسكي أن ميليوكوف Milioukoff ـ الذي عين كوزير للشؤون الخارجية في الحكومة الروسية في ربيع 1917 ـ كان هو الرجل الذي تفاوض بشأن هذه المؤامرة، التي اشترك فيها كل من الدولتين المتحاربتين (بريطانيا وألمانيا).

ومن المعروف انه استحسانا للتعاون الذي أبداه الجنرال الألماني ستان، وافقت الحكومة البريطانية علي طلب ميليوكوف إطلاق سراح م. م. ليتفينوف Litvinov، وكان ضباط المخابرات البريطانية قد أسروه كجاسوس ألماني.. أما التعرف علي شخصية ليتفينوف فهي ذات أهمية بالغة، فهو ابن لوالدين يحملان اسم فينكلينستان.. ولما انضم إلي الحركة الثورية العالمية غير اسمه، فصار ماير والاش.. ولما صار له علاقة وثيقة بالحزب البلشفي وبلينين، ظهر اسمه مرة أخري ليكون ماكسيم ليتفينوف.. إنه الشخص نفسه بليتنفينوف الجاسوس الألماني، وهو الشخص نفسه الذي قبض عليه وهو يحاول أن يدفع أوراق الخمسمئة روبل التي حصل عليها ستالين عندما سرق بنك تيفليس Tiflis Bank.

بعد إطلاق سراحة مباشرة، عاد ليتفينوف إلي روسيا، وساعد بحكومة كيرننسكي المؤقتة، وبحركة المينشفيك السوفيتية.. ثم تولي ليتنفيوف منصب مساعد ستالين للشؤون الخارجية، بين عام 1930 وعام 1939.. وقد عين عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1935.. ومقدرة ليتنفوف علي الاغتيال وعلي استلام النقود المسروقة وعلي العمل كجاسوس وكرجل عصابات دولي وكزعيم للنشاط الثوري في العديد من الدول، كل هذا جعل دول العالم ترحب به عندما عين رئيسا لمجلس الأمن في الأمم المتحدة!!!!!!.. وهذا يوضح حقيقة أن النورانيين يتحكمون بالذين يسيطرون علي الأمم المتحدة ظاهريا!!

وهكذا يتبين لنا، أن الحكومة الائتلافية البريطانية التي استلمت زمام الأمر من رئيس الوزراء اسكويت في كانون الأول 1916، لم تفعل أي شيء لتقف دون تنفيذ الممولين الدوليين خططهم للثورة الروسية، مع أنها تعلم أن نجاح هذه الثورة سيؤدي إلي سحب الجيوش الروسية من الحرب.. والبرهان علي أن الصهيونيين في كل من بريطانيا وأميركا اتفقوا علي الإطاحة بالإمبراطورية الروسية، يمكن إن نجده في حقيقة أن لينين أعلن عن تأسيس حكمة الديكتاتوري في تشرين الثاني 1917، وفي نفس الوقت أعلن لويد جورج أيضا أن سياسة الحكومة البريطانية تقضي بدعم خطة روتشيلد في تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.. وهذا يبرهن علي أن لويد جورج لم يحقد علي الممولين الدوليين لإخراجهم روسيا من الحرب، مع أنها حليفة لبريطانيا.

***

وجه المرابون اهتماماتهم إلي فلسطين، لتكون المركز الجغرافي المناسب لخطتهم العامة في السيطرة علي العالم.. وبالإضافة إلي ذلك، فإنهم كانوا يعلمون أن أشهر الجيولوجيين العالميين، قد كشف عن مناطق واسعة تحتوي علي ثروات معدنية تقع في المنطقة المحيطة بالبحر الميت.. وهكذا قرر هؤلاء أن يتبنوا الصهيونية السياسية، لإجبار دول العالم علي الاعتراف بالوطن القومي لليهود في فلسطين، بحيث يكون لهم دولة مستقلة يمكنهم السيطرة عليها بأموالهم وسلطتهم.. وإذا حققت مؤامرتهم هدفها البعيد في إقامة حرب عالمية ثالثة، عندئذ يستعلمون دولتهم المستقلة هذه في توسيع نطاق نفوذهم وسيطرتهم لتشمل جميع أمم الأرض.. وعندما يتحقق ذلك، سيتمكنون من تنصب زعيمهم "ملكا علي الكون" و"الإله علي هذه الأرض".

وبعد استصدار وعد بلفور، الذي أيدته كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، صدرت الأوامر إلي اللورد اللنبي بطرد الأتراك من آسيا الصغرى، واحتلال الأرض المقدسة.. ولم يكشف عن حقيقة النوايا في تسليم فلسطين إلي اليهود، إلا بعد أن انتهي العرب من مساعدة اللورد اللنبي في تحقيق مهمته!!!!!

وكان الشعور العام في ذلك الوقت، أن فلسطين ستصبح محمية بريطانية.. أما المرابون العالميون فما إن تم احتلال فلسطين حتى طلبوا من الحكومة البريطانية والحلفاء تعيين لجنة صهيونية في فلسطين، وتعيين مندوبيهم السياسيين أعضاء لها، علي أن تكون مهمة هذه البعثة، تقديم النصح للجنرال كلايتون الحاكم العسكري لفلسطين، وتعمل أيضا كوسيلة اتصال بين اليهود والقيادة العسكرية.. وقد باشرت هذه اللجنة عملها بالفعل في آذار عام 1918 وكان أعضاؤها التالون:

- الكولونيل أورمسباي غور ـ اللورد هارليك فيما بعد ـ الذي كان مديرا لبنك ميدلاند، وبنك ستاندارد في جنوب أفريقيا.

- الكولونيل جيمس دي روتشيلد، ابن أدموند دي روتشيلد، رئيس الفرع الفرنسي لأسرة روتشيلد، ومنشيء عدد كبير من المستعمرات اليهودية في فلسطين.. وقد أصبح جيمس دي روتشيلد عضوا في مجلس العموم البريطاني بين 1929 و 1945، ثم عيّنه تشرشل وزيرا للشؤون البرلمانية في حكومته العمالية الائتلافية.

- الملازم أدوين صاموئيل، الذي عين مديرا للرقابة في الحكومة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية.. وعندما تأسست إسرائيل عام 1948 عين مديرا للإذاعة الإسرائيلية.

- المستر إسرائيل سيف، مدير شركات ماركس وسبنسر البريطانية الضخمة.. وله اتصالات وعلاقات وثيقة بالمرابين الدوليين.

- ليون سيمون، الذي نال فيما بعد درجة فارس، وأصبح المدير المسؤول عن مكاتب البريد العامة في بريطانيا.. وقد سيطر علي جميع أجهزة الهاتف، وجميع أنواع الاتصالات اللاسلكية.

- أما بقية أعضاء اللجنة فكانوا: الدكتور إلدر، السيد جوزف كارين والسيد حاييم وايزمان، وكلهم اصدقاء مقربون إلي الصهاينة الأغنياء في أميركا.

يقول السير ستورز بأن هذه اللجنة أرسلت إلي فلسطين قبل أن يعقد مؤتمر السلام، وحتى قبل نهاية الحرب، وذلك لإعداد الجو الملائم فيها لإنشاء الوطن العربيّ القوميّ لليهود، وتحريك أعوانهم للمساعدة المالية.

معاهدة فرساي

معاهدة فرساي كانت إحدى أكثر الوثائق التي وقعها ممثلوا ما يسمى بالدول المتمدنة إجحافا وظلما.. وقد أدي هذا الظلم الذي وقع علي الشعب الألماني إلي قيام حرب عالمية أخرى، وجعل قيام هذه الحرب أمرا لا مفر منه.

يجب علينا أولا أن نعي حقيقة الظروف التي أحاطت بتوقيع الهدنة في 11 تشرين ثاني 1918.. فالقيادة الألمانية العليا لم تطلب هذه الهدنة لأن قواتها كانت في خطر من انهزامها، بل إن القوات الألمانية لم تكن قد لاقت أي هزيمة علي أراضي المعارك.. ولكن القيادة العليا الألمانية طلبت الهدنة حتى تستطيع الوقوف في وجه قيام ثورة شيوعية في البلاد.. ذلك أن روزا لوكسمبورغ وتنظيمها الذي يسيطر عليه اليهود، كانوا يخططون للقيام بنسخة ثانية مما قام به لينين في روسيا قبل عام.

أما الأحداث التي جعلت القيادة العليا الألمانية تتحقق من الخطر في الجبهة الداخلية فهي كما يلي:

تمكنت خلايا روزا لوكسمبورغ الثورية من التغلغل في الأسطول البحري الألمانيّ، واشتد نشاطهم عام 1918، فنشروا شائعات بأن القيادة الألمانية قرّرت التضحية بالسفن الحربية وبملاحيها، في معركة مشتركة ضد الأساطيل الأمريكية والبريطانية معا، وروجوا الإشاعات بأن هذه العملية تهدف إلي تعطيل وشل القوات الحليفة، بشكل يسمح لأسياد الحرب الألمان باحتلال الشواطئ البريطانية بدون مقاومة.. وعملت الخلايا الشيوعية هذه علي تغذية الشائعات والتحريض علي العصيان هامسة بأن هذا الهجوم سينتهي بالفشل حتما، لأن العلماء البريطانيون استطاعوا تحضير سلاح كيميائي سري جديد، يمّكن الحلفاء من حرق السفن المعادية وإحاطتها باللهب، فتؤدي النيران والحرارة والنقص في الأوكسجين إلي قتل كلّ كائن حيّ.. ثم بدأ المخربون يؤكدون بأن الوسيلة الوحيدة للخلاص من خطر داهم كهذا، هو بالثورة لإنهاء الحرب.. وفي 3 تشرين الثاني 1918، أعلن جنود البحرية الألمانية العصيان.. وتلي ذلك يوم 7 تشرين الثاني فرار وحدة كبيرة من الغواصات في طريقها إلي الجبهة الغربية، فلقد أخبروا أنهم سيعملون كرأس حربة في الهجوم المزعوم لاحتلال بريطانيا.

وفي هذا الوقت، كانت الاضطرابات قد سببت تعطيل عدد كبير من المراكز الصناعية الألمانية، كما أن المخربين كانوا ينشرون روح الانهزامية، فتدهورت الأحوال لدرجة تنازل القيصر عن العرش في 9 تشرين الثاني.

بعد تنازل القيصر شكل الحزب الديمقراطي الاجتماعي حكومة جمهورية، ووقعت الهدنة في 11 تشرين ثاني 1918.. ولكن الاضطرابات لم تتوقف، بل ازدادت عنفا ضد الاشتراكيين هذه المرة، وذلك عن طريق الخلايا الشيوعية المنظمة Spartacus Bund.. ثم لعبت روزا لوكسمبورغ ورقتها الكبرى، حين اشترطت علي الحكومة الجمهورية تسريح الجيش الألماني، مقابل إنهاء الاضطرابات.. وقد منع هذه العمل القيادة الألمانية العليا من استعمال جيشها المنظّم لمنع قيام الثورة التي أعلنت في كانون الثاني 1919.

بعد انهيار الثورة اليهودية التي قامت بها روزا لوكسمبورغ، أخذ الشعب الآري الألماني علي نفسه أن ينتقم من الشعب اليهوديّ، فقتل الآلاف من اليهود، وقبض علي الرجال والنساء والأطفال ليلا وأعدموا.. أما روزا ومساعدها كارل ليبكنيشت، فقد القي القبض عليهما ثم أطلق ضابط ألماني النار علي رأسيهما، وكأنه يقتل كلابا مسعورة.

ولكي يزيدوا الحقد ويضرموا نار العداوة ضد اليهود، عمد هؤلاء إلي تحميل اليهود المسؤولية عن الهزيمة العسكرية، كما أذاعوا أن اليهود هم المسئولون عن بنود معاهدة فرساي الظالمة.. ومن ناحية ثانية ضاعفت الدعاية الاتجاه الوطني الاشتراكي في ألمانيا، بتصوير بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة علي أنها دول رأسمالية أنانية، واقعة تحت تأثير الممولين العالميين.. وهكذا مهدوا الطريق لظهور هتلر.

بعد توقيع المعاهدة مباشرة، أعلن لينين أن واجبهم الأول يقضي بإنشاء العالم الشيوعي الذي يسيطر علي دول العالم بأجمعها، والذي تقع حدوده بين خطي العرض 35 و 36 من النصف الشمالي للكرة الأرضية.. وأعلن أنه سيسعى للعمل الثوري ضمن هذه الحدود وأن أهم الدول هي أسبانيا وإيطاليا واليونان، وبعض المناطق في آسيا الصغرى، وتشمل فلسطين كما تضم بعض مناطق الصين والمنطقة التي تضم حدود كل من كندا والولايات المتحدة.

تسمي خطة لينين هذه في الأوساط العسكرية "خطة الثيران الشمالية"، لأن هذه الحيوانات الشمالية استطاعت أن تبقي علي وجه الحياة، لأنها كانت تدافع عن نفسها بوقوفها بشكل دائرة، موجهة قرونها الحادة إلي الدببة والذئاب التي تهاجمها.. ويعلل بعد ذلك لينين تخليه عن روزا لوكسمبورغ، بأنه استطاع أن ينظم القوات السوفياتية ليقف في وجه الهجوم العدواني الذي قامت به الدول الرأسمالية بين عامي 1919 و 1921.. وأعلم لينين في المؤتمر الأممي الثالث عام 1912، أن أسبانيا ستكون البلد الثاني لنشر الحكم العمالي، ولام زورا لوكسمبورغ علي إضرامها نار العداوة ضد السامية في ألمانيا.. عندئذ أرسل المؤتمر كارل راديكس ليقود حملة شيوعية في ألمانيا، وصدرت إليه التعليمات بالبدء بتنظيم وتدريب الحزب المذكور، ولكنه حُذر من اتخاذ خطوات ثورية حتى تأتيه الأوامر من الكومنتيرن (الاتحاد العالمي للأحزاب الشيوعية).

***

وقد سيطر الممولون الدوليون علي مؤتمر السلام، الذي انتهي بمعاهدة فرساي.. والبرهان علي ذلك واضح، في أن رئيس الوفد الأمريكي كان بول واربورغ ذاته، الذي أشرنا إليه بصورة كافية في فصل سابق، فهو الممثل الرئيسي لمجموعة المرابين العالميين في أمريكا.. ولم يكن رئيس الوفد الألماني سوي شقيقة ماكس واربورغ.

ويقول الكونت دي سانت أولاير: "إن الذين يبحثون عن الحقيقة في غير الوثائق، يعرفون أن الرئيس نيلسون، الذي تم انتخابه كرئيس للجمهورية بعد أن موّله البنك الأكبر في نيويورك (كوهن ـ لوب) كان يسير تحت إرشادات وأوامر هذا البنك".

أما الدكتور ديلون فيوضح أنّ "اليهود هم الذين وجهوا مؤتمر السلام هذا التوجيه، واختاروا فرساي في باريس ليحققوا برنامجهم بدقة، والذي نفذ حرفيا".

وبالنسبة لمسودة الانتداب البريطاني علي فلسطين، فإن تخطيطها كان على يد البروفسور فيلكس فرانكفورتر، الصهيوني الأميركي البارز، الذي أصبح فيما بعد المستشار الأوّل في البيت الأبيض، في عهد الرئيس روزفلت.. وساعده في ذلك كل من السير هربرت صاموئيل والدكتور فيويل والمستر ساشار والمستر لاندمان والمستر بن كوهن والسيد لوسيان وولف ـ الذي كان تأثيره كبيرا جدا علي المستر دافيد لويد جورج، ويقال إنه كان يملك جميع أسرار شؤون بريطانيا الخارجية.

وعندما بدأت المحادثات التمهيدية للمؤتمر، كان المستشار الخاص للسيد كليمانصو ـ رئيس وزراء فرنسا ـ هو المسيو مانديل.. ولم يكن هذا في الحقيقة إلا اسما مستعارا لأحد أفراد آل روتشيلد.. وكان هناك أيضا المستر هنري مورغنزاو ـ أحد أفراد الوفد الأمريكي ـ وهو نفسه والد الرجل الذي أصبح فيما بعد السكرتير المالي للرئيس روزفلت.. وحضر أيضا تلك المحادثات المستر أوسكارلا ستراوس، الذي عرف بتنبيه الشديد لمخطط الممولين، والذي كان له دور بارز في تكوين عصبة الأمم.

وبشأن هذه المعاهدة أيضا، يقول السيد لوسيان وولف في الصفحة 408 من "دراسات عن تاريخ اليهود": "وهناك مجموعة صغيرة أخري من اليهود البارزين تظهر تواقيعهم علي معاهدة السلام، فقد وقع معاهدة فرساي عن فرنسا لويز كلوتز ـ الذي تورط فيما بعد بقضية مالية واختفي عن الأنظار ـ وعن إيطاليا البارون سومينو، ومستر أدوين مونتاغ عن الهند".

وننقل فيما يلي أقوال بعض كبار المفكرين في الغرب، التي تشكل بحد ذاتها بيانا لا يحتاج إلي تفسير:

يذكر المؤرخ والدبلوماسي الإنكليزي الشهير هارولد نيكلسون في مؤلفه الضخم "صنع السلام 1919 ـ 1944" صفحة 244 أن لوسيان وولف طلب منه شخصيا أن يتبني رأيه، وهو أن اليهود يجب أن يتمتعوا بحماية عالمية، وأن يتمتعوا في الوقت نفسه بكل حقوق المواطن في أية دولة.

ويقول الكاتب الفرنسي جورج باتو، في كتابه "المشكلة اليهودية" ص38: "إن المسؤولية تقع علي عاتق اليهود الذين أحاطوا بلويد جورج وويلسون وكليمانصو".

***

وننتقل الآن إلي هنغاريا، ونحن نتحدث عن نهاية الحرب العالمية الأولي، فنجد أن بيلاكون اغتصب السلطة في ربيع 1919، ثم حاول تطبيق آراء لوسيان وولف.. ولكن حكمه الديكتاتوري لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر، قتل خلالها عشرات الآلاف من المسيحيين وأجلوا عن ممتلكاتهم.. وشملت الضحايا جميع الناس من عمال وجنود وتجار وملاك أراضي.. ولم يفرق بين الرجل والمرأة أو بين رجل الدين والرجل العادي.. وفي هذا الصدد تقول مجلة نيو انترناشيونال في كتابها السنوي عام 1919 "تألفت حكومة بيلاكون في أكثريتها من اليهود، الذين استلموا أيضا مراكز إدارية.. وقد اتحد الشيوعيون مع الاشتراكيين، الذين كانوا أكثر شبها بأحزاب العمال ومجموعات اتحادات العمال.. ومع هذا فإن بيلاكون لم يختر مساعديه من هؤلاء، ولكنه اختارهم من بين اليهود، مؤلفا بذلك حكما بيروقراطيا يهوديا".

ويسجل التاريخ أنه بعد ثلاثة أشهر من التخريب والاغتصاب والقتل الجماعيّ، عُزل بيلاكون.. ولكنه بدلا من أن يعاقب، فإنه أدخل إلي مستشفي للأمراض العقلية.. وبعد ذلك تم إخلاء سبيله على يد تلك المجموعة القوية التي كان يعمل لمصلحتها.. ثم عاد بيلاكون إلي روسيا، ليستلم رئاسة منظمة تشيكيا الإرهابية، والتي عملت علي إرهاب الأوكرانيين وإخضاعهم لستالين، عندما أمر ببدء البرنامج الزراعي الجماعي.. وكان من نتيجة هذا الإرهاب أن مات خمسة ملايين من العمال جوعا، لعدم تنفيذهم القانون الزراعيّ، كما دفع بأكثر من خمسة ملايين أيضا للعمل الإجباري في سيبيريا.. ولما أراد ستالين أن يحوّل أسبانيا إلي بلد تحكمه الديكتاتورية الشيوعية في عام 1936، وقع اختياره علي بيلاكون لينظم (حكم الإرهاب) في أسبانيا.

***

ونعود إلي مؤتمر فرساي، لنري مشاهد أخري من سيطرة الممولين، الدوليين وذلك بحادثة معروفة جرت خلال المحادثات التمهيدية للمؤتمر.. فالظاهر أن هذه المحادثات بدأت تميل إلي سياسة لا يرضي عنها الممولون، لأن برقية مكونة من ألفي كلمة أرسلها يعقوب شيف من نيويورك إلي الرئيس ويلسون، الذي كان يحضر المؤتمر في باريس، وقد تضمنت هذه البرقية تعليمات للرئيس بشأن ما سيفعله بكل من قضية فلسطين ومصير الانتداب فيها، وبشأن التعويضات الألمانية وقضية سيليسيا العليا ومنطقة السار وممر دانزينغ.. وأرخت البرقية بتاريخ 28 أيار 1919، وقد أرسلها شيف باسم اتحاد الأمم المتحررة.

بعد استلام البرقية، غيّر الرئيس ويلسون موقفه فجأة، وأخذت المفاوضات تجري مجرى آخر.. بهذا الصدد يقول الكونت دي سانت أولاير: "إن النصوص التي تضمنتها معاهدة فرساي فيما يتعلق بالقضايا الخمس الرئيسية، هي من وضع يعقوب شيف وأبناء جلدته".

بعد أن دُفعت الدول الحليفة لجعل فلسطين محمية بريطانيا، أعلم الممولون الدوليون عملاءهم أن بنود المعاهدة ستكون قاسية جدا، بشكل لا يمكن أن يتحمله الشعب الألماني طويلا.. وكان هذا جزءا من المخطط الذي يرمي إلي زيادة حقد الشعب الألماني ضد الإنكليز والفرنسين والأميركيين واليهود، ليكونوا علي استعداد للحرب من جديد لاستعادة حقوقهم المشروعة.

وبعد توقيع معاهدة فرساي مباشرة، بدأت الحرب الرأسمالية المزيفة ضد البلاشقة.. وقد مكّنت هذه الحرب لينين من تخليه عن مساعدة الثورة الشيوعية في ألمانيا، وفي الدعوة إلي الصمود والالتحام للحفاظ علي المكاسب التي حققها في روسيا.. ومن ناحية ثانية فان هذه الحرب لم تكن أبدا ذات خطر علي ديكتاتورية لينين.. ولما انتهت عام 1921، كان من نتائجها الواضحة، الشهرة الواسعة التي نالها البلاشقة، في مقابل خسارة مماثلة للدول الرأسمالية.. وقد مهدت هذه النتيجة الطريق لعملاء الممولين الدوليين، كي يدخلوا الدول الشيوعية في عضوية عصبة الأمم تحت ستار السلام العالمي الدائم.

وكانت بريطانيا هي أول الدول التي حققت رغبات الممولين الدوليين واعترفت بالدول الشيوعية.. ثم تلتها فرنسا في 1924، وبعدها جاء دور الولايات المتحدة، فاعترف روزفلت بالدول الشيوعية في 1933.. وهكذا اعترفت عصبة الأمم بالدول السوفيتية الشيوعية.. ومنذ ذلك اليوم أصبحت عصبة الأمم ألعوبة في يد ستالين، وتمكن عملاؤه من صياغة سياستها والسيطرة علي نشاطاتها.. وما أن دخلت الدول الشيوعية في عصبة الأمم حتى أخذ أعضاء محفل الأكبر الماسوني دورهم فيها.

ونشير هنا إلي محرر جريدة التايمز الإنكليزية، وهو يكهام ستيد الذي كان من أكثر الناس إطلاعا علي الشؤون العالمية، والذي أشار في أكثر من مناسبة إلي تدخّل رجال المصارف والممولين الدوليين في الشؤون الدولية.. وقد كتب هذه العبارة المحددة عقب توقيع معاهدة فرساي مباشرة: "إنني ألح وأصرّ علي أنّ المحركين الأول، هم يعقوب شيف وواربوغ وغيرهم من أصحاب المصارف الدوليين، الذين كانوا يرغبون بشكل قوي في الحصول علي مساعدة البلاشقة اليهود، لتأمين ميادين عمل لليهود الألمان في روسيا".

وننقل أيضا ما كتبه ليوماكس في عدد آب 1919 من الناشيونال ريفيو، حيث يقول: "ومهما تكن نوعية السلطة التي تحكم داوننغ ستريت [تحكم بريطانيا]، محافظة كانت أم متطرفة، تؤيد الائتلاف أو تقف في صف البلاشقة، إلا إنها في جميع الأحوال تقع في أيدي اليهود العالميين.. وهنا يمكن سر الأيادي الخفّية التي لم يكن قد ظهر لها أي تفسير واع".

عندما زار ونستون تشرشل فلسطين في آذار 1921، طلب مقابلة وفد القادة المسلمين.. ولما قابلهم عرضوا له خشيتهم من الهدف الذي تعمل له الصهيونية السياسية، وهو الاستيلاء علي فلسطين واستغلال أراضيها لمصلحة اليهود، وبينوا له أن العرب يعيشون في تلك الأرض منذ أكثر من ألف سنة ((هذا أشبه بأن نقول إنّ المصريين يعيشون في مصر منذ ألف سنة!!!.. هذه أرض الفلسطينيين يعيشون فيها منذ القدم، وبقدوم العرب دخلوا الإسلام وتكلموا العربية، مثلهم مثل باقي دولنا))، وطلبوا منه استخدام نفوذه لرفع هذا الظلم.. وقد نقل عنه قوله: "أنتم تطلبون مني أن أتخلي عن وعد بلفور، وأن أوقف الهجرة اليهودية.. وهذا ليس في طاقتي، كما إنني لا أرغب فيه.. نحن نعتقد أنه لخير العالم واليهود والإمبراطورية البريطانية والعرب أنفسهم أيضا.. ونحن ننوي أن نحقق هذا الوعد".

لا بد أن يكون تشرشل وهو ينطق بهذا الجواب، كان يفكر بذلك التهديد الذي أطلقه حاييم وايزمان ونشره رسميا في 1920، ويقول فيه: "سوف نستقر هنا في فلسطين شئتم ذلك أم أبيتم.. إن كل ما تستطيعون عمله هو تعجيل أو إبطاء هجرتنا، ولكنه مهما يكن فإنه من الأفضل لكم أن تساعدونا، لتتجنبوا تحويل قدراتنا البناءة إلي قدرات مدمرة، تدمر العالم".

يجب أن نتدبر أمر تهديد وايزمان هذا، ونفهم معه أيضا ذلك البيان الذي صدر عن أحد الممولين الدوليين، في اجتماع للصهاينة عقد في بودابست عام 1919.. فلقد نقل الكونت أولاير كلامه وهو يتحدث عن احتمالات قيام الحكومة العالمية، ويقول: "وفي سبيل الوصول إلي العالم الجديد [الذي ينتظره هؤلاء]، أعطت منظمتنا البرهان علي فعاليتها في عمليتي الثورة والبناء، وذلك بخلقها لعصبة الأمم، التي هي في الحقيقة من عملنا.. وستشكل الحركة البلشقية الدافع الأول، بينما تشكل عصبة الأمم الفرامل في الجهاز الذي سيحتوي معا علي القوة الدافعة والقوة الموجهة.. وماذا ستكون النهاية؟.. إنها محددة سلفا في مهمتنا".. قيام الحكومة العالمية الواحدة.

وهناك شيء مهم وقع تحت يدي بعد ثماني سنوات من إنهائي لهذا الفصل، وذلك عن طريق المخابرات السرية الكندية، التي نقلت تقريرا عن المؤتمر الاستثنائي "للجنة الطوارئ لحاخامي أوروبا"، الذي عقد في بودايست في 12 كانون الثاني 1952..

وإنني أنقل ذلك التقرير، وهو عبارة عن الخطاب الحرفي للحاخام أيمانويل رابينوفيتش في المؤتمر المذكور:

"تحية لكم يا أبنائي.. لقد استدعيتم إلي هذا الاجتماع الخاص لإطلاعكم علي الخطوط الرئيسية لمنهاجنا الجديد، وهو المنهاج المتعلق بالحرب المقبلة كما تعلمون، والتي كان مخططنا الأصلي يقضي بإرجائها عشرين عاما، حتى نتمكن خلال ذلك من تدعيم مكاسبنا التي حصلنا عليها نتيجة للحرب العالمية الثانية.. ولكن ازدياد أعددنا في بعض المناطق الحيوية يسبب معارضة شديدة، لذلك صار لزاما علينا أن نستعمل جميع الوسائل التي في حوزتنا، لإشعال حرب عالمية ثالثة في مدة لا تتجاوز خمس سنوات.

يجب أن أبلغكم أن الهدف الذي لا زلنا نعمل من أجله منذ ثلاثة آلاف عام قد أصبح في متناول يدنا الآن.. أستطيع أن أعدكم أنه لن تمر عشر سنوات، حتى يأخذ شعبنا مكانه الحقيقي في العالم، ويصبح كل يهودي ملكا، وكل جوييم عبدا.. [تصفيق من الحضور].. إنكم لا تزالون تذكرون نجاح حملاتنا الدعائية التي طبقناها خلال الثلاثينيات، والتي أوجدت شعورا معاديا للأمريكيين في ألمانيا، وشعورا بالكره الشديد للألمان عند الأمريكيين.. وتعلمون أن هذه الحملة أعطت ثمارها بقيام الحرب العالمية الثانية.. أما الآن فهناك حملة مماثلة نشنّها بقوة عبر العالم.. فنحن نثير الآن حمّى الحرب عند الشعب الروسي، بخلق ميل معاد لأميركا، التي يجتاحها في الوقت نفسه شعور معاد للشيوعية.. هذه الحملة ستجبر الدول الصغيرة علي الاختيار بين أن تصبح شريكة لروسيا أو متحالفة مع الولايات المتحدة.. أما أكثر المشاكل التي نواجهها في الوقت الحالي، فهي إتارة الروح العسكرية عند الأمريكيين، الذين أخذوا يبدون كرها شديدا للحرب.. ومع أننا فشلنا في تحقيق خطتنا في تعميم التدريب العسكري علي كل الشعب الأمريكي، إلا إننا سنأخذ كل الاحتياطات للحصول علي موافقة الكونغرس علي مشروع بهذا الصدد بعد انتخابات 1952 مباشرة.. إن الشعب الروسي والشعوب الآسيوية هم تحت سيطرتنا، ولا يقفون حائلا ضد قيام الحرب.. ولكننا يجب أن ننتظر حتى يصبح الشعب الأمريكي هو أيضا مستعدا لمثل هذه الحرب.. ونحن نأمل بتحقيق هدفنا هذا باستعمال قضية العداء للسامية، بنفس الطريقة التي جعلت الأمريكيين يتحدون ضد الألمان أعداء السامية في الحرب العالمية الثانية.. ونحن ننتظر قيام موجات عداء للسامية في روسيا، بشكل يسبب تلاحم الشعب الأمريكي ضد القوة السوفياتية.. كما أننا سنقوم بنفس الوقت عن طريق الإغراء المالي، باستخدام عناصر مؤيدة للروس في عدائهم للسامية، ونبث هذه العناصر في المدن الأمريكية الكبرى.. وستخدم هذه العناصر غرضين نسعى لهما، وهما فضح المعادين لنا حتى نتمكن من إسكاتهم، وتوحيد الشعب الأمريكي في بُوتقة واحدة ضد الشعب الروسي.. وفي خلال خمس سنوات سيحقق منهاجنا هذا أغراضه، وتقوم الحرب العالمية الثالثة التي ستفوق في دمارها جميع الحروب السابقة.. وستكون إسرائيل، بالطبع، بلدا محايدا.. حتى إذا تم تدمير وإهلاك الطرفين المتحاربين، سنقوم نحن بعملية التحكيم والرقابة علي بقايا أشلاء جميع الدول.. وستكون هذه الحرب معركتنا الأخيرة في صراعنا التاريخيّ ضد الجوييم.. بعد ذلك سنكشف عن هويتنا لشعوب آسيا وأفريقيا.. وأستطيع أن أعلن لكم جازما، بأن الجيل الأبيض الذي ولد في الأيام التي نعيشها الآن سيكون آخر الأجيال البيضاء.. ذلك لأن لجنة التحكيم والرقابة ستمنع التزاوج بين البيض، بحجة نشر السلام والقضاء علي الخلافات بين الأجناس البشرية.. وبهذا يتم القضاء علي العنصر الأبيض، عدونا اللدود، ويصبح مجرد خيال وذكرى.. وسنعيش بعد ذلك في عهد السلام والرخاء الذي لن يقل عن عشرة آلاف من السنين.. وسنحكم العالم بأسره، لأنه سيكون من السهل علي عقولنا المحركة، السيطرة الدائمة علي العالم من الملونين ذوي البشرية السوداء".

سؤال من أحد الحاخامين الحاضرين: "أرجو من الحاخام رابينوفتش أن يحدثنا عن مصير الأديان المختلفة بعد الحرب العالمية الثالثة؟"

رابينوفتش: "لن تكون هناك أديان بعد الحرب العالمية الثالثة، كما لن يكون هناك رجال دين.. فإن وجود الأديان ورجال الدين خطر دائم علينا، وهو كفيل بالقضاء علي سيادتنا المقبلة للعالم، لأن القوة الروحية التي تبعثها الأديان في نفوس المؤمنين بها ـ وخاصة الإيمان بحياة أخري بعد الموت ـ يجعلهم يقفون في وجهنا.. بيد أننا سنحتفظ من الأديان بالشعائر الخارجية فقط.. وسنحافظ على الدين اليهوديّ، وذلك لغاية واحدة، هي الحفاظ علي الرباط الذي يجمع أفراد شعبنا، دون أن يتزوجوا من غير سلالتهم أو أن يزوجوا بناتنا لأجنبي.. وقد نحتاج في سبيل هدفنا النهائي إلي تكرار نفس العملية المؤلمة التي قمنا بها أيام هتلر.. أي أننا قد ندبر وقوع بعض حوادث الاضطهاد ضد مجموعات أو أفراد من شعبنا.. أو بتعبير آخر سوف نضحي ببعض أبناء شعبنا، حتى نحصل بذلك علي الحجج الكافية التي تبرر محاكمة وقتل القادة في أميركا وروسيا كمجرمي حرب، وذلك بعد أن نكون قد فرضنا شروط السلام.. ونحن اليوم بحاجة إلي الإعداد لهذه المهمة وهذه التضحيات.. لقد تعود شعبنا على التضحية دائما.. ولن تكون خسارة بضعة آلاف من اليهود خسارة جسيمة، إذا قارناها بما سيحصل عليه شعبنا من السيطرة علي العالم وقيادته.

وحتى تستيقنوا من قدرتنا علي السيطرة علي العالم، انظروا إلي اختراعات الرجل الأبيض، كيف حولناها إلى سلاح خطير ضده.. فالراديو والمطبعة أصبحنا اليوم المعبر والمتحدث عن رغباتنا، كما أن معامل الصناعات الثقيلة ترسل الأسلحة إلي آسيا وأفريقيا لتحارب شعوبها الرجل الأبيض نفسه صانع هذه الأسلحة.. واعلموا أننا طورنا برنامج النقطة الرابعة في واشنطن، ليشمل التطوير الصناعي للمناطق المتخلفة من العالم، بحيث يصبح الرجل الأبيض تحت رحمة المجموعات الضخمة من الشعوب السوداء، التي ستفوقه تكنولوجيا بعد أن تدمر الحرب النووية وزراعته الصناعية.

وبهذه الرؤية للنصر النهائي يتوهج أمام أعينكم، عودوا إلي مناطقكم وباشروا العمل بجد ودون هوادة، حتى يحل أخيرا اليوم الذي ستكشف فيه إسرائيل عن مهمتها الحقيقية، وهي أن تكون النور الذي يضيء العالم" ـ [النوراني تعني حامل النور].

هذا الخطاب يؤكد أيضا استنتاجاتي ومعلوماتي السابقة التي أوردتها، وهي أن القوي الخفية هي التي أثارت العداء للسامية، وبنفس الوقت العداء للشيوعية، بشكل يخدم أهدافها.. كما أن الخطاب يبرهن علي أن النورانيين استعملوا الشيوعية والنازية والفاشية للوصول إلي طموحهم الخفيّ.. وهم، يستعملون الديمقراطية المسيحية ضد الشيوعية للوصول إلي المرحلة التالية من خطتهم البعيدة، وهي الحرب العالمية الثالثة.

***

ولقد استطاع الممولون الدوليون ـ باختفائهم وراء بنود معاهدة فرساي ـ التحكم بإعادة بناء الجيش الألماني، وإعادة تحسين اقتصاديات البلاد.. بعد ذلك دخلوا مع القيادة الألمانية العليا في اتفاقية Abmachungen، وبموجبهات تمّ الاتفاق علي أن يزود الروس الجنرالات الألمان سرا بجميع الأسلحة والذخائر اللازمة لبناء جيش حديث مؤلف من عدة ملايين.. واتفقوا علي أن يضع الديكتاتور السوفيتي تحت تصرفهم جميع التسهيلات، لتدريب جميع الضباط الألمان.

هذا وقد تم تحقيق بنود اتفاقية Abmachungen، بعد أن قام الممولون الدوليون بتمويل هذا المشروع الضخم.. هكذا استطاع هؤلاء أن يؤمّنوا بناء القوة العسكرية والاقتصادية في الدول الشيوعية والفاشية علي السواء.. واستطاعوا أن يهيئوا الظروف للقيادة الألمانية لكي تتخطي بنود معاهدة فرساي، وخصوصا القيود العسكرية المفروضة عليهم.

وعن طريق معامل السلاح والذخيرة الشيوعية وراء جبال الأورال، ثم تزويد المؤسسات الألمانية بكل ما تحتاجه.. وهذه المؤامرة لا يمكن إن تعني إلا النية المبيتة للممولين الدوليين بإضرام نار الحرب العالمية الثانية.. ولم تكن الدول المسماة بالحليفة بمعزل عما يجري وراء الستار، ولكنها كانت تعلمه أولا بأول.. وهذا لمسته بنفسي عندما حضرت مؤتمر نزع السلاح البحري في لندن عام 1930.. وهو برهان آخر علي صدق ديزرائيلي عندما قال: "الحكومات المنتخبة لا تحكم".

والحقيقة أن هذه الفترة من التاريخ معقدة جدا وليس من السهل علي المواطن العادي أن يفهما.

فالشيوعية والنازية تجمع بينمها صفات مشتركة عديدة: فكلامها مبدأ إلحادي ينكر وجود القوّة الإلهية.. وكلاهما ينادي ويشجع الحرب والكراهية والقوة.. ومبادئهما مناهضة للمبادئ المسيحية في السلام والحب والتربية.. وهذا يجعل من قادة كلا المعتقدين العميقين في الإلحاد والمادة عملاء للشيطان.. وهم جميعا ينفذون المؤامرة الشيطانية في إبعاد البشر عن طاعة العلي القدير.. وكلا المعتقدين يستعمل أيضا شكلا من أشكال محافل الماسونية في الشرق الأكبر، لرد الناس عن أديانهم.

وتبين لنا الدراسة التحليلية للتاريخ بين عام 1914 و 1943، أن جماعة المرابين العالميين وجهوا جهودهم في هذه المرحلة لتحقيق الأهداف التالية:

1. إثارة الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يسمح بخلق جو مناسب للعمل الثوري، يسمح لهم بالسيطرة الكاملة علي الإمبراطورية الروسية.

2. تغيير الرؤوس الحاكمة في أوروبا، قبل أن تبدأ أي مجموعة مجموعاتهم بالسيطرة، وإقامة الحكم المطلق.

3. إجبار حكومتي بريطانيا وفرنسا علي الموافقة علي إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

لقد أجبرت الحكومة البريطانية علي مساعدة الممولين الدوليين لتنفيذ مخططهم في إنجاح الثورة البلشقية، وذلك كي تحصل بريطانيا علي مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب.. ويمكننا أن نجزم بأن السفينة لويزيانا أغرقت لتبرر السياسة الأميركية تجاه الحرب، تماما كان حادث بيرل هاربر المبرر لدخولها في الحرب العالمية الثانية.. ((كشفت الوثائق التي أفرجت عنها بريطانيا في التسعينيات، أنّ البريطانيين هم الذين دفعوا اليابانيين للهجوم على أمريكا، وذلك باستخدام سفينة بحرية بريطانية ترفع علم أمريكا، استخدمت شفرة أمريكية يعلم البريطانيون أنّ اليابانيين قد حلّوا شفرتها، في تناقل رسائل كاذبة تؤكد عزم أمريكا على الهجوم على اليابان، ممّا دفع هؤلاء لأخذ زمام المبادرة.. ويقال إن الرئيس الأمريكيّ كان على علم مسبق بنية اليابان مهاجمة بيرل هاربور، ولكنّه تجاهل الأمر لرغبته في إيجاد مبرر لدخول الحرب!))

وجاء في النسخة الأصلية بشأن الانتداب البريطاني علي فلسطين ما يلي: "لتحويل فلسطين إلي وطن قومي لليهود".. ولكن هذه العبارة تغيرت في اللحظة الأخيرة، لتكون "لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين".. وقد تم هذا لإخفاء الطموح السرّيّ للصهيونية.

وكما أخفى الصهاينة طموحهم في الاستيلاء علي فلسطين كلها، أخفوا أيضا حقيقة الثروات المعدنية الطائلة الموجودة علي شواطئ البحر الميت، ولم يكشفوا عن ذلك إلا بعد إعلان الانتداب من قبل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

وهكذا استعمل المرابون الدوليون الصهيونية، لكي يتحكموا بسيادة الدولة ذات المركز الجغرافي المتوسط، ليمدوا سيطرتهم علي بقية دول العالم، كما مدوا سيطرتهم علي الاتحاد السوفياتي.

ستالين

لم يقدر لزوج ستالين الثاني التوفيق، لأنه التقي بامرأة يهودية حسناء اسمها روزا كاغنوفيتش.. ويقال إنه كان يعاشرها عندما أقدمت زوجتة الثانية ناديا علي الانتحار.. ومن المعتقد أن انتحار ناديا لا يعود إلي قصص ستالين الغرامية فقط، بل إلي الأسى الشديد الذي أصابها، بسبب قسوة زوجها في القضاء وعلي عدد كبير من خصومه، الذين كانت تري فيهم إخوة لها في الدين بينما يراهم هو منحرفين.

وكان شقيق روزا ـ ويدعي لازار كاغونوفيتش ـ صديقا مقربا لستالين، الذي جعله عضوا في المكتب السياسي "البوليتبيرو"، وبقي كذلك حتى وفاة ستالين.. وقد برهن لازار عن مقدرته في الإشراف علي الصناعات الثقيلة، عندما قام بتطوير حقول دونيتز بازين البترولية وإنشاء اوتوستراد موسكو.. وقد تزوج ابنه ميخائيل ابنة ستالين (سفيتلانا) في 15 تموز 1951.. وكانت سفيتلانا متزوجة من شخص آخر عندما تقرر هذا الزواج.. ولم يعلم أي شيء عن مصير الزوج الأول، سوي أنه قد انزاح عن الطريق فجأة، تماما كما فعل ستالين عندما تزوج روزا بعد أن أزاح زوجته الثانية، أو بعد أن أزاحت هي نفسها!!

وبالإضافة إلي زواج ستالين من يهودية، فإن نائبه مولوتوف هو أيضا قد تزوج من يهودية، وهي شقيقة سام كارب ـ الرأسمالي الأمريكي الكبير، صاحب شركة الاستيراد الضخمة "كارب اكسبورتنغ" ـ ثم خطبت ابنه مولوتوف إلي ابن ستالين فاسيلي في عام 1951.. وهكذا نري أن المكتب السياسي "البوليتبورو" كان إلي حد ما بيد أسرة ستالين والمقربين إليها.

وقد توصل ستالين إلي أن يصبح في الطبقة العليا للحزب الثوري الروسي، لأن معظم القادة المرموقين في المراحل الأولي من الثورة الشيوعية كانوا داخل السجون.. ولم يترقّ ستالين إلي أي مركز خلال ديكتاتورية لينين، إلا إنه في الفترة الأخيرة من حكم لينين، بدأ يتقدم الصفوف الأولي.. وعندها بدأ الصراع بينه وبين تروتسكي وغيره من بعض اليهود الخصوم.. وانتهي هذا الصراع باستلامه الحكم، الذي لم يتخل عنه حتى وفاته.

في عام 1927 حاول تروتسكي القيام بانتفاضة ضد ستالين، متهما إياه بالانحراف عن الإيديولوجية الماركسية والنزوع إلي إقامة دكتاتورية استعمارية توتاليتارية كبديل للإتحاد الأصيل للجمهوريات السوفياتية الاشتراكية.. وهنا قام ستالين بحملة تطهير، قضى فيها علي عدة ملايين، كما أرسل عددا مماثلا إلي المنفي والأشغال الإجبارية.. وهكذا كانت نهاية العديد من قادة الحركة الثورية منذ الأممية الأولى، أن يلاحقوا حتى الموت أو السجن.. ومن بين القادة الذين تخلص منهم ستالين: تروتسكي، زينوفييف، كامينيف، ومارتينوف وزاسوليش، ودوش وبارفوس، واكسلرود، وراديك وبورتزكي وسفيردلوف، ودان، وليبر، ومارتوف.. ولم يبق من المقربين اليه عند وفاته، إلا لازار كاغانوفيتش صهره، وروزا زوجته الثالثة.

***

سار ستالين علي سياسة لينين في إنشاء عالم الشيوعية بين خطي عرض 35 و 45 من النصف الشمالي للكرة الأرضية.

كانت خطة ستالين تقضي بألا يورّط قواته المسلحة في حرب مع الدول الأخرى، وأن يسير علي سياسة إشعال الثورات جنوبي الاتحاد السوفياتي بين خطي عرض 35 و 45.. وقد أعطت هذه السياسة ثمارها بسرعة، لأنه عند وفاة ستالين كانت الشيوعية قد سيطرت علي نصف المنطقة المذكورة، كما أن نصف سكان الأرض كانوا قد وقعوا تحت التأثير الشيوعي.

((تذكر القمع والاضهاد والتهجير الذي أصاب المسلمين في الجمهوريات الإسلامية التي احتلتها روسيا، للقضاء على دينهم ولغاتهم وتراثهم.. هذا بخلاف الثورات الاشتراكية التي دمرت مجتمعاتنا في نصف القرن الماضي، وما زلنا ندفع ثمن كوارثها حتّى اليوم!!))

هذا وقد حافظ ستالين علي خطة لينين بالبدء بأسبانيا في عملية التحويل إلي الشيوعية، لأنه هذا سيجعل من السهل تعريض فرنسا وبريطانيا للسيطرة الشيوعية، وتصبح بعد ذلك ألمانيا بين فكي الكماشة.. وإذا حدث ما يمنع وقوع أسبانيا تحت السيطرة الشيوعية، فإن حادثا كهذا سيكون من الأسباب المساعدة علي نشوب حرب عالمية ثانية.

وعندما كان ستالين يعد للثورة الأسبانية، شارك مشاركة فعالة في الحرب الاقتصادية، التي كانت تدور رحاها بعد توقيع الهدنة عام 1918. فقد ظهرت طبقات ذات غني فاحش بعد الحرب العالمية لعدم مشاركتها في الحرب، كما أن شعوب الدول الحليفة عاشت برخاء زائد في السنتين اللتين تلنا الحرب.. ولكن قبل أن يتمكن المستثمرون من استثمار أموالهم بعد أوصلوا إلي القمة، سحبت أموال طائلة من الأسواق، وحددت الاعتمادات في البنوك، وبدأت عملية المطالبة بالديون تشتد.. وكانت هذه المأساة الصغرى التي كان يعيشها العالم بين 1923 و 1925، والتي كانت مقدمة للمأساة الكبرى التي خططت لها القوى لتكون عام 1930.

هذا وقد حدثت المأساة الكبرى هذه، بعد أن تغيرت السياسة المالية عام 1925، وعاد الرخاء يتقدم بخطي واسعة حتى الغني الفاحش في كل من أميركا وبريطانيا وكندا واستراليا.. وعاد الاستثمار عن طريق الأسهم والشركات أقوي مما كان عليه قبل 1925.. عندئذ وقبل انتهاء عام 1929، وقعت الضربة المفاجئة.. ونزلت أعظم مأساة اقتصادية عرفها العالم الحرّ في تاريخه كله.. وكان من نتيجتها أن الملايين من الناس أصبحوا بحاجة إلي لقمة العيش.. وانتحر الآلاف.. وقد وقع اللوم يومذاك علي سوء الإدارة والحكم، الذي جعل من عشرات الملايين من البشر مدقعين في الفقر، ورفع 300 فقط من أصحاب الملايين ليصبحوا من أصحاب "التريليونات".

أما ستالين فقد بدأ خطته الصناعية الخماسية عام 1925، وذلك للعمل علي ما أسماه تحسين الأوضاع الداخلية للدول الشيوعية.. وشملت الخطة استغلال لموارد الطبيعية وتصنيعها وتحسين الوسائل الزراعية وتحديث الصناعة.. وقد موّل هذه الخطة الخماسية المرابون الدوليون، وذلك عن طريق قروض ساهمت مساهمة قوية في تحسين الاقتصاد الروسي وبناء القوة العسكرية الروسية والألمانية معا.

ثم جاءت خطوة ستالين التالية، وهي إنشاء المزارع الجماعية.. وكان الشعب الروسي قد عاش لقرون عديدة أقل من العبيد في الأرض التي كان يستغلها الإقطاعيون، ثم وعدهم لينين بأن يعيشوا عيشة أفضل، حيث انفصل أكثر من مليونين من عائلات الفلاحين عن إقطاعهم، ووزعت الأراضي، وأصبحوا جميعا ملاكا مستقلين.. وفي أول كانون الثاني 1916 ارتفع عدد هذه العائلات إلي 6.200.000 عائلة.

ولكن الحظ السيء كان يلاحق هؤلاء، لأن الممولين الدوليين كانوا يريدون الحصول علي القروض التي دفعوها للخطة الزراعية ولتموين الجيش الألماني، فأصروا علي التحكم بصادرات وواردات الدول الشيوعية، كما طلبوا بتنفيذ المزارع الجماعية علي أنها الوسيلة الوحيدة لزيادة الإنتاج الزراعي.

وقد سجل التاريخ ما حدث عندما نفذ ستالين بالقوة مشروع المزارع الجماعية، فأكثر من خمسة ملايين من الفلاحين واجهوا الإعدام أو ماتوا من الجوع، لأنهم رفضوا تنفيذ المشروع أو حاولوا الوقوف في وجهة.. كما أن أكثر من خمسة ملايين غيرهم تم نقلهم إلي سيبيرا لكي يقوموا بالأعمال الإجبارية.. بل أكثر من هذا، هو أن القمح الذي صادره ستالين من الفلاحين تم بيعه للمرابين الدوليين، ليضاف إلي كميات القمح الأخرى التي اشتراها هؤلاء من بلدان أخري.. وكان الغرض من هذه العملية هو تعويم السواق العالمية بهذه المادة الأساسية وبشكل رخيص، وذلك للمضاربة علي القمح الأمريكي والكندي، كي يكسد ولا يجد الأسواق التي تشتريه.. كما أن المرابين قاموا بضربة أخري للّحوم والمواشي الكندية والأميركية، وذلك عن طريق شراء كميات ضخمة من اللحوم المبردة والمعلبة من الأرجنتين وغيرها من البلدان المنتجة للحوم.

وبين عامي 1920 و 1929 خفض الممولون الدوليون أسعار الشحن في سفن جميع الدول تقريبا، ما عدا بريطانيا وأميركا وكندا.. فكان من نتيجة هذه القرصنة التجارية، أن استحال علي السفن من هذه البلدان الثلاثة أن تنافس أسعار الشحن في السفن الأخرى، فرابطت آلاف السفن التجارية في موانئها، وتوقفت عملية التصدير بشكل لم يعرف من قبل.

في نفس الوقت الذي كان ميزان الصادرات في الدول الحليفة يهبط بشكل عجيب، كان هناك ارتفاع مقابل في عملية الاستيراد من كل من ألمانيا واليابان ودول أوروبا الوسطي.. وهكذا ساءت الحالة في البلدان الحليفة.. ففي كندا مثلا يعتمد خمسة من كل ثمانية من أصحاب الدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة علي عملية التصدير.. وإذا انخفض ميزان التصدير، تبعه مباشرة انخفاض وانتكاس تجاري.. ذلك أن القدرة الشرائية لخمسة من كلّ ثمانية من أصحاب الدخل تنخفض.. يؤثر هذا أيضا علي كل من يعتمد علي الخدمات بأنواعها كوسيلة لكسب عيشه.. وإذا بقي هذا الانخفاض في ميزان المدفوعات علي حاله أو توقفت الصادرات، فإن الانتكاس التجاري يتحول إلي أزمة ويتدهور إلي مأساة.

وحتى يتأكد أصحاب المؤامرة العالمية من انزلاق الهيكل الاقتصادي للدول الحليفة إلي الهاوية، راحوا يعوّمون الأسواق العالمية بالقمح واللحم بأسعار منخفضة جدا وأقل من كلفة الإنتاج في كل من كندا وأميركا واستراليا.. فكان من نتيجة هذا التعويم أن فاضت مستودعات القمح في الدول الحليفة ولم تتمكن من بيعه، بينما كانت شعوب بعض الدول تموت جوعا لحاجتها الماسة للخبز واللحم.. وكانت بريطانيا تعوض الفرق السنوي الشاسع بين ميزان الصادرات والواردات بخدماتها فيما وراء البحار، حيث تكسب ما يعادل 85 مليون جنيه إسترليني.. ولكنها أصيبت بضربة قاسية جدا عندما منعتها المنافسة غير العادلة من الحصول علي هذا المبلغ.. هذا وقد استغل المرابون العالميون هذه الأزمة الاقتصادية المصطنعة لخلق جو من التنافر والخلاف بين مختلف دول الكومنولث، وذلك بهدف إضعاف الإمبراطورية البريطانية وتفكيكها.

ماذا كانت هذه الحرب الاقتصادية؟.. ركود شديد في تجارة وصناعة وزراعة الدول الحليفة والدول الرأسمالية، وفي نفس الوقت ازدياد شديد وتوسع هائل في نشاط الدول الشيوعية ودول حلف المحور..

وهكذا أخذوا يهيئون الوضع الدولي لقيام حرب عالمية ثانية في الوقت الذي يريدونه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Share

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More